كلمة المشرف العلمي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن علم تفسير القرآن من أشرف العلوم الإسلامية، ومن أولها نشأة وظهورًا، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم الذين نزل القرآن بين ظهرانيهم كان يعايشون ذلك التنزل العظيم، ويقفون على أسباب النزول، ويدركون المعاني التي تضمنها، ويرجعون إلى النبي ﷺ لفهم ما أشكل عليهم، ومن ثم رووا تلك الآثار الشريفة من تفسير النبي ﷺ وتناقلوها، فصارت تلك الأحاديث نواة التفسير المأثور وأساسه، ثم بعد وفاته ﷺ تصدى جمع من علماء الصحابة لتفسير القرآن الكريم؛ فبينوا معانيه لأتباعهم الذين تناقلوا تفسيرهم وأشاعوه، ثم تلقاه بعدهم بعض أتباع التابعين الذين حرصوا حرصًا كبيرًا على تدوينه وترتيبه، وظهر فيهم من اجتهد في جمع تفسير النبي ﷺ والصحابة والتابعين، ثم تبعهم من علماء القرن الثالث والرابع من اجتهد في استيعاب التفسير المأثور بما وصله من الأسانيد عنهم، كلٌّ بقدر ما وصل إليه، حتى جاء السيوطي رحمه الله (٩١١ هـ) فجمع التفسير المأثور المروي في كتب التفسير المسندة وغيرها، في كتابه «الدر المنثور في التفسير بالمأثور».
واستكمالًا لهذه المسيرة قام مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي بجمع الجهود السابقة، واستيعاب ما وصلنا من أحاديث وآثار في بيان معاني القرآن الكريم وترتيبها والتأليف بينها، مع عزوها إلى مصادرها الأصلية، وذكر أحكام أئمة النقد على الأحاديث المرفوعة.
وأضافوا إليها إضافة نوعية تعين القارئ على فهم تفسير السلف وفقهه، من خلال إثبات تحريرات أبرز المحققين من المفسرين وترجيحاتهم وتعليقاتهم على آثار تفسير السلف على نحو ما فعلت في تفسير جزء عم، وجعلوا ذلك في حاشية مستقلة، والمحققون الذين أوردوا تعليقاتهم؛ هم: ابن جرير (٣١٠ هـ)، وابن عطية (٥٤٢ هـ)، وابن تيمية (٧٢٨ هـ)، وابن قيم الجوزية (٧٥١ هـ)، وابن كثير (٧٧٤ هـ)، رحمهم الله تعالى.
كل هذه الأعمال انتظمت في لجان متخصصة من الباحثين، بذل كل فريق منهم الجهد والطاقة لإنجاز ما أُنيط بهم من عمل واستيفائه وتجويده، فجاءت هذه الموسوعة التفسيرية متميزة عما سبقها.
ولا شك أن مثل هذه المشاريع العلمية الضخمة تكتنفها كثير من الصعوبات التي تعوق مسيرتها، ويعتريها بعض الإشكالات التي تحد من إنجازها بالصورة المطلوبة، لكن -بفضل الله تعالى- تمكن الباحثون في كل لجنة من التغلب على تلك الصعوبات ومعالجة الإشكالات التي واجهتهم وتجاوزها بقدر طاقتهم.
ولذا لا نزعم أن هذا العمل بلغ حد التمام والكمال، فالاستدراك عليه وارد، وهذه طبيعة الأعمال الموسوعية الضخمة، فهي قابلة للتعقيب والاستدراك والإضافة، لكن لعل ذلك قليل لا يؤثر في مقدار ما جمع بإذن الله تعالى.
وفي الختام أشكر كل من ساهم في هذه الموسوعة، وأخص بالشكر القائمين على مركز الدراسات والمعلومات القرآنية، الذين تبنوا هذا المشروع الضخم، وسخروا كل إمكانياتهم لتحقيقه، كما لا يفوتني شكر جميع الباحثين والمشاركين الذين بذلوا جهدًا مضنيًا، على مدار عشر سنوات في سبيل إخراج هذه الموسوعة المباركة، التي أسأل الله أن يعم بها النفع، ويكتب لها القبول، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
المشرف العلمي على الموسوعة
أ.د. مساعد بن سليمان الطيار
أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود بالرياض